فنزويلا: ما الذي تعنيه الهزيمة خلال الاستفتاء؟

  حوالي الساعة الواحدة صباحا، وبعد تأخير طويل، أعلنت اللجنة الوطنية للانتخابات نتائج الاستفتاء على الإصلاح الدستوري. لقد انهزمت مقترحات التعديلات الدستورية بهامش ضئيل، حيث بلغ عدد المصوتين ضد التعديلات: 4,504,354 (50,70%)، مقابل 4,379,392 صوتا (أي 49,29%) لصالح التعديلات. مباشرة بعد ذلك ظهر الرئيس تشافيز على شاشة التلفزيون ليلقي كلمة اعترف فيها بالنتائج. قال أنه لم تتم المصادقة على الإصلاحات المقترحة "في الوقت الحالي"، لكنه سيواصل النضال من أجل بناء الاشتراكية.

  كما كان متوقعا، استقبلت النتيجة بفرحة عظيمة من جانب المعارضة اليمينية وجميع القوى الرجعية. إذ أن هذه هي المرة الأولى التي يحققون فيها انتصارا، منذ حوالي عقد. وقد سادت مظاهر الابتهاج في الأحياء الراقية التي تقطنها الطبقة الوسطى بكاراكاس. « وأخيرا تمكنا من أن نبين أنه بالإمكان هزم تشافيز! وأخيرا تمكنا من وقف الانزلاق نحو الشيوعية! وأخيرا تمكنا من إعطاء درس للرعاع!»

  لكن فرح الرجعيين جد مبكر ومبالغ فيه. إذ أن إلقاء نظرة على النتائج تبين أن عدد أصوات قوى المعارضة لم تتزايد سوى بنسبة ضئيلة. إذا ما قارنا هذه النتائج (بعد احصاء 88% من الأصوات) بنتائج الانتخابات الرئاسية لسنة 2006، نجد أن المعارضة لم ترفع عدد أصواتها سوى بحوالي 100,000 صوت، لكن تشافيز خسر 2,8 مليون صوت. الأصوات التي خسرها تشافيز لم تذهب لصالح المعارضة بل امتنعت عن التصويت. هذا يعني أن دعم قوى الثورة المضادة لم يزدد بشكل ملحوظ منذ السنة الماضية.

  كيف تعمل البورجوازية على "إعلام" الرأي العام

  تعود هذه النتيجة إلى تداخل العديد من العوامل. فالبورجوازية تمتلك بين يديها وسائل فعالة في تشكيل الرأي العام. لقد نظموا تعبئة شاملة لوسائل الإعلام الرجعية في حملة هستيرية من الأكاذيب والافتراءات ضد تشافيز وضد الثورة وضد الاشتراكية. بالتأكيد كان لحملة تأجيج الرعب هذه من جانب المعارضة الرجعية تأثير على الفئات الأكثر تخلفا بين الجماهير.

  لقد كان الضغط قويا لا هوادة فيه. الكنيسة الكاثوليكية، برئاسة المؤتمر الأسقفي الرجعي، خطبت من فوق المنابر ضد تشافيز و"الشيوعية الملحدة". وصدر تحذير مدفوع الثمن احتل حيز صفحتين من صفحات صحيفة Ultimas Noticias، احد أكثر الصحف قراءة في فنزويلا والتي يقرئها أغلب البوليفاريين. من بين ما زعمه ذلك التحذير أن الدولة ستأخذ منك أولادك ليصبحوا في ملك الدولة وأن حرية التدين سيتم إلغائها.

  في كارابوبو نشرت الصحيفة الجهوية Notitarde يوم الاقتراع، عنوانا في الصفحة الأولى يقول: « اليوم ستقرر وسيكون قرارك إلى الأبد» ومباشرة تحته توجد صورة دكان جزار فارغ مع علم كوبي وصورة لكاسترو مع عنوان يقول: "هكذا هي كوبا الاشتراكية اليوم".

  كل هذا يفضح حملة النفاق الكاذبة في وسائل الإعلام الدولية التي تزعم أنه "لا توجد أية حرية إعلام في فنزويلا اليوم". هذه الحملة الصاخبة وصلت ذروتها قبل بضعة أشهر عندما قررت الحكومة عدم تجديد رخصة قناة RCTV التلفزيونية، التي هي محطة تلفزية يمينية كانت بمثابة جحر الأفاعي بالنسبة للمتآمرين المعاديين للثورة والتي لعبت دورا حاسما في انقلاب أبريل 2002.

  المشكلة ليست في كون الثورة قد حدت من الحقوق الديمقراطية لقوى المعارضة وداست على "حرية الصحافة". المشكلة هي في أن الثورة تعاملت بكرم مبالغ فيه مع خصومها، وكانت جد سخية وجد صبورة وجد مهذبة. لقد تركت الكثير من القوة بين أيدي الأوليغارشية وعملائها. لقد وضعت السلاح بين أيديهم وهم يستخدمونه بشكل فعال جدا لتخريب الثورة ووقف مسارها والقضاء عليها في النهاية.

  الامتناع عن التصويت

  كل هذا صحيح لكنه لا يجيب على سؤال لماذا كسبت "لا" النتيجة. العنصر الرئيسي في المعادلة كان هو الامتناع عن التصويت: إذ أن عددا كبيرا من أنصار تشافيز لم يكلفوا أنفسهم عناء التصويت. يجب أن يطرح السؤال التالي: لماذا لم يصوتوا؟ سيلقي البيروقراطيون والكلبيون البورجوازيون الصغار باللوم على الجماهير بسبب خمولها المزعوم. هذا خاطئ كليا. لقد صوتت الجماهير على تشافيز بثبات خلال جميع الانتخابات والاستفتاءات. لقد صوتوا بكثافة خلال شهر دجنبر الماضي. لكن بدأت تظهر الآن بعض علامات التعب. لماذا؟

  بعد كل ذلك الكلام عن الاشتراكية لا تزال سلطة الأوليغارشية راسخة بشكل كبير وهي تستعمل ثروتها وسلطتها من أجل تخريب الثورة وتلغيم أسسها. لا يزال golpistas los [انقلابيو] سنة 2002 أحرارا. وسائل الإعلام اليمينية لا تزال حرة في نشر الأكاذيب والافتراءات ضد الثورة. المناضلون الفلاحيون يقتلون ولا تتخذ أية إجراءات اتجاه ذلك.

  بالرغم من إصلاحات الحكومة، التي حسنت بلا شك من أوضاع الفقراء والمحرومين، فإن الأغلبية لا تزال تعيش في الفقر. ولا يزال مشكل انعدام السكن بدون حل. ويسبب التخريب الذي ينظمه مالكو الأراضي الكبار والرأسماليون في نقص السلع الرئيسية. كل هذا له تأثير على معنويات الجماهير.

  لا تزال الأغلبية الساحقة من الجماهير تساند تشافيز والثورة، لكن هناك مؤشرات واضحة عن التعب. فبعد تسعة سنوات من الغليان تعبت الجماهير من الكلمات والخطابات والمسيرات والمظاهرات وتعبت أيضا من الانتخابات والاستفتاءات التي لا تنتهي. الجماهير تريد القليل من الكلام والكثير من الإجراءات الحاسمة: إجراءات ضد كبار مالكي الأراضي والرأسماليين، إجراءات ضد حكام الولايات والمسئولين الفاسدين.

  إن الجماهير تريد، قبل كل شيء، اتخاذ إجراءات ضد الطابور الخامس المشكل من أنصار تشافيز اليمينيين الذين يرتدون الأقمصة الحمراء ويتحدثون عن اشتراكية القرن الواحد والعشرين لكنهم يعادون الاشتراكية الحقيقية ويخربون الثورة من الداخل. إذا لم يتم تطهير الحركة البوليفارية والحزب الاشتراكي الموحد الفنزويلي من هؤلاء البيروقراطيين الإصلاحيين والوصوليين فإنه لن يتحقق أي شيء.

  الطابور الخامس

  لقد أبان البيروقراطيون، مرة أخرى، عن عجزهم المطلق عن تنظيم حملة جماهيرية جدية. لقد فشلوا في الرد على أكاذيب المعارضة. فشلوا في شرح النقاط الكثيرة التي يتضمنها الدستور المعدل والتي كانت ستخدم مصالح الطبقة العاملة، من قبيل أسبوع العمل من 36 ساعة. كيف يمكنهم أن يقوموا بذلك وهم أنفسهم معارضون لمثل هذه الإجراءات الاشتراكية؟ إن هذا التخريب الذي يقوم به الطابور الخامس معروف جدا لدى قواعد الحركة البوليفارية، ولدى أعدائها أيضا. صرحت مجلة التايم قائلة باستهزاء:

  « حتى بعض حلفاء تشافيز أنفسهم يريدون وضع العراقيل في طريق قطار الرئيس الراديكالي. وهم يبررون موقفهم بأن العديد من مقترحات الإصلاح ليست موجهة لتوسيع سلطات الشعب بقدر ما هي موجهة لتركيز السلطة في يد تشافيز. ومن بين تلك المبادرات هناك إلغاء الحدود على عدد الولايات الرئاسية الممكنة ; وضع البنك المركزي، الذي يتمتع الآن بالاستقلالية، تحت رقابة الرئيس وخلق نواب رئيس جهويين. العديد من القادة الإقليميين من قبيل رامون مارتينيز، حاكم ولاية سوكر الشرقية، المناضل الاشتراكي هو أيضا، يعتبرون أن هذه الفكرة الأخيرة تشكل تركيزا كبيرا للسلطة المركزية، وكذا خيانة من جانب تشافيز لمبادئ الثورة البوليفارية (التي أخذت اسمها من بطل حرب الاستقلال الجنوب أمريكية خلال القرن التاسع عشر، سيمون بوليفار). يقول مارتينيز: "كان من المفترض أن تؤدي هذه الثورة إلى خلق المزيد من التعددية في فنزويلا"، ويضيف:"نحن لا نريد تشكيل دولة متسلطة مثل الاتحاد السوفييتي".»

  كل من يقرأ هذه السطور سيفهم مباشرة لماذا لم يتم تنظيم حملة جدية لصالح التعديلات الدستورية. ليس رامون مارتينيز مناضلا اشتراكيا بل هو قائد حزب Podemos، أي تلك المجموعة من المرتدين الذين انشقوا عن الحركة البوليفارية خلال ذروة حملة الاستفتاء من أجل شن حملة عنيفة لصالح التصويت برفض التعديلات. لا يجب أن نستغرب لتصرف ذلك الشخص. لكنه لم يكن حالة معزولة. ففي أبور لم يقم الحاكم بأي خطوة لتنظيم الحملة وقد تصرف العديد من الآخرين على نفس المنوال. لم يعمل البيروقراطيون سوى على تكرار مثل نفس الحملة الكارثية والعقيمة التي نظموها قبل سنة خلال الانتخابات الرئاسية.

  وصف أحد الرفاق من ميريدا الحملة هناك قائلا: « لقد كانت حملة غبية علقت خلالها ملصقات لا تقول سوى إذا ما صوتت لصالح تشافيز فإنك تقوم بذلك بدافع "الحب"، بينما كانت حملة قوى اليمين قوية. قالوا أنه سيتم انتزاع كل شيء من الشعب، فإذا كنت تمتلك منزلين سيتم انتزاع أحدهما منك، وإذا كنت تمتلك سيارتين فسيتم حرمانك من واحدة، المواليد الجدد ستنتزعهم الدولة "الاشتراكية" من آبائهم.»

  بعد إعلان النتائج تم بث برنامج مباشر للمكالمات الهاتفية على أمواج إذاعة RNV (محطة إذاعية عمومية)، خلاله ألقى اغلب المتصلين باللائمة على البيروقراطية بسبب غياب حملة جدية لصالح التعديلات. العديد من المتصلين أشاروا إلى موقف حكام الولايات والعمداء "التشافيزيين"، الذين لم يمتنعوا فقط عن تنظيم أية حملة، بل عملوا أيضا على ممارسة التخريب ضدها. لقد خشي هؤلاء البيروقراطيون من المصادقة على هذه التعديلات بنفس مقدار خشية المعارضة من ذلك. لقد اعتبروا، عن حق، أن الجماهير سترى هذا الاستفتاء جزءا من حملة تصفية حسابات طويلة ليس ضد الطبقة السائدة وحدها، بل أيضا ضد العناصر الإصلاحية والبيروقراطية داخل قيادة الحركة البوليفارية.

  تكتيكات بادويل

  التصريحات التي ألقتها المعارضة بعد إعلان النتائج كانت شديدة التعبير. أول المتحدثين كان هو أحد قادة الطلاب الرجعيين. المتحدث الثالث كان هو روساليس، مرشح المعارضة للانتخابات الرئاسية الذي تعرض لهزيمة ساحقة أمام تشافيز خلال دجنبر الماضي. لكن المتحدث الثاني لم يكن سوى الجنرال بادويل، وزير الدفاع السابق، الذي كتبنا عنه مؤخرا.

  ماذا قال بادويل؟ لقد تحدث عن المصالحة الوطنية وعرض التفاوض مع تشافيز. أنكر وجود أية نية في تنظيم انقلاب. وباختصار أظهر وجها مبتسما ومد يد الصداقة. إن هذا تكتيك ذكي ويؤكد انطباعنا عن بادويل بكونه رجعي ذكي. هذا التكتيك الجديد الذي تنهجه المعارضة يعكس أيضا موازين القوى الحقيقية، التي لا تزال إلى درجة كبيرة، وبالرغم من نتيجة الاستفتاء، غير ملائمة للرجعيين.

  لا يجب أن تولي الثورة أي ذرة من الثقة للوجه المبتسم للرجعية. فلنتذكر دائما مقولة شكسبير: "توجد الخناجر في ابتسامات الرجال"! ليس عرض المصالحة سوى فخ. لا يمكن أن تكون هناك أية مصالحة بين الثورة والثورة المضادة لأنه لا يمكن أن تكون هناك أية مصالحة بين الفقير والغني، بين المستغَل والمستغِل.

  السبب الوحيد وراء هذا التغيير في التكتيك هو كون المعارضة عاجزة عن هزم تشافيز من خلال العمل المباشر. إنهم شديدو الضعف وهم يعرفون ذلك. لقد بدأت العناصر الأكثر غباء بين صفوف المعارضة تشرب الآن نخب الانتصار. لكنها وبعد ليلة من السكر الاحتفالي ستصاب في الصباح بصداع رأس رهيب. لقد تحقق "النصر" بهامش جد ضئيل. ولم تفلح أكبر مجهودات المعارضة سوى في تعبئة حوالي 100,000 صوت إضافي. هذا إضافة إلى أنه لا يمكن كسب هذا الصراع من خلال الأصوات وحدها.

  البورجوازي المتخم وزوجته وأبنائه، مالك الدكان الصغير، الطالب "الابن المدلل"، الموظفون الحكوميون الحانقون على التقدم الذي يحققه "الرعاع"، المتقاعدون الذين يحنون إلى "أيام الماضي الجميل" في ظل الجمهورية الرابعة، المضاربون، اللصوص والمزورون، كبار السن من كلا الجنسين المؤمنون والمؤمنات الذين يسيطر عليهم رجال الكنيسة الرجعيون، المواطنون المنتمون إلى الطبقة الوسطى الصلبة الذين تعبوا من "الفوضى": جميع هؤلاء يظهرون كقوة رائعة بالمقاييس الانتخابية، لكن وزنهم في الصراع الطبقي يساوي صفر.

  ميزان القوى الطبقي

  ظهر ميزان القوى الطبقي الحقيقي من خلال المسيرات التي نظمت خلال نهاية حملة الاستفتاء. فكما حدث خلال دجنبر 2006، استنفرت المعارضة كل قاعدتها الاجتماعية وتمكنت من تجميع حشد كبير. لكنه وفي اليوم الموالي اكتسحت شوارع كاراكاس المركزية ببحر من الأقمصة والرايات الحمراء. لقد بينت المسيرتان أن القاعدة النشيطة للحركة التشافيزية هي أكبر بخمسة أو ثماني مرات من قاعدة المعارضة.

  الصورة تصير أكثر وضوحا عندما يتعلق الأمر بالشباب. يشكل الطلاب اليمينيون القوة الضاربة للمعارضة. لقد كانوا القوة الرئيسية في تنظيم استفزازات عنيفة ضد أنصار تشافيز. وقد تمكنوا، حسب أكثر التقديرات تفاؤلا، من جمع 50,000 شخص في أكبر مسيرة نظموها. لكن الطلاب الموالين لتشافيز تمكنوا من حشد 200,000 أو 300,000 مشارك في مسيرتهم. إن الثورة تمكنت، في هذا الحقل الحاسم من حقول الصراع الطبقي، حقل الشباب الذي يعتبر القوة النشيطة للثورة، من تجاوز الثورة المضادة بأشواط هائلة.

  إلى جانب الثورة تقف الأغلبية الساحقة من العمال والفلاحين. هذه هي المسألة الحاسمة! لا يمكن لأي مصباح أن يضيء ولا لأي دولاب أن يدور ولا لأي هاتف أن يرن بدون موافقة الطبقة العاملة. إنها قوة عظمى بمجرد ما تنتظم وتتعبئ من أجل الثورة الاشتراكية.

  والجيش؟ ماذا بخصوص الجيش؟ دائما ما يثرثر الإصلاحيون، من أمثال هينز ديتريخ، حول هذا الموضوع مثل أسطوانة مشروخة في حاكي قديم. نعم إن الجيش مسألة حاسمة. لكن الجيش يعكس دائما التيارات التي تعتمل داخل المجتمع. لقد عاش الجيش الفنزويلي طيلة حوالي عقد من الزمان من العواصف الثورية والقلق. وقد ترك هذا الواقع أثره!

  لا يمكن أن يكون هناك أي شك في أن الأغلبية الساحقة من الجنود العاديين، أبناء العمال والفلاحين، هم موالون لتشافيز وللثورة. نفس الشيء يمكن قوله عن أغلب الرقباء وغيرهم من ضباط الصف والضباط الشباب. لكن كلما صعدنا السلم كلما صار الوضع أكثر غموضا. خلال الأسابيع القليلة الماضية سادت إشاعات حول وجود مؤامرات وتم اعتقال بعض الضباط. إن هذا تحذير جدي!

  من بين صفوف الضباط هناك عدد كبير من الموالين لتشافيز ; ويمكن أن يكون البعض الآخر متعاطفين مع المعارضة أو معاديين للثورة في السر. وتتكون الأغلبية ربما من جنود غير مسيسين، يمكن لتعاطفهم أن يتحول في هذا الاتجاه أو ذاك حسب الجو العام السائد في المجتمع.

  إن كون الجنرال بادويل قرر تبني خطاب حذر وتوافقي يبين أنه لا توجد أية قاعدة جدية للقيام بانقلاب في الوقت الحالي. العناصر الجدية بين صفوف الثورة المضادة (بمن فيهم مستشاروهم التابعون لوكالة الاستخبارات الأمريكية) يعرفون أن الوقت لم يحن بعد للقيام بعملية مشابهة لتلك التي نظمت خلال شهر أبريل 2002. لماذا؟ لأن أية محاولة لشن انقلاب خلال هذه المرحلة ستدفع بالجماهير إلى الخروج إلى الشوارع وهي مستعدة للقتال والموت إذا ما دعت الضرورة إلى ذلك من أجل الدفاع عن الثورة.

  في ظل هكذا شروط سيكون الجيش الفنزويلي، كما هو عليه الحال الآن، وسيلة غير موثوق فيها إطلاقا للقيام بانقلاب. سيؤدي ذلك إلى اندلاع حرب أهلية ليست قوى الثورة المضادة متأكدة من إمكانية كسبها. ومن يمكنه أن يشك أن هزيمة الثورة المضادة في صراع مفتوح، في الوقت الحالي، سيعني فورا تصفية الرأسمالية في فنزويلا.

  لهذه الأسباب العملية بالضبط تبنى بادويل الموقف الذي عبر عنه. إنه، في الواقع، يراهن على مسألة الوقت، على أمل أن تتغير الظروف الموضوعية لصالح الثورة المضادة وضد مصلحة الثورة. يجب على المرء أن يعترف بأن هذه الحسابات صحيحة. إن الوقت ليس في صالح الثورة!

  الدور المشئوم الذي تلعبه العصب

  يطالب بادويل الآن بالدعوة إلى عقد جمعية تأسيسية. وهذا المطلب، لسخرية الأقدار، هو نفس المطلب الذي يرفعه الحزب العمالي الأرجنتيني (PO) وغيره من العصب اليسراوية المتطرفة. لقد سبق لليسراويين المتطرفين أن وجدوا أنفسهم جنبا إلى جنب مع قوى الثورة المضادة خلال حملة الاستفتاء على الدستور ومن ثم لا يجب أن يثير موقفهم هذا عظيم استغراب.

  لقد كان الدور الذي لعبه أورلاندو شيرينو وغيره ممن يسمون أنفسهم "تروتسكيين"، والذين دعوا الناس إلى إفساد بطاقات الاقتراع، مشئوما للغاية. لقد أعمى كره هؤلاء السيدات والسادة لتشافيز بصيرتهم إلى درجة أنهم لم يعودوا قادرين مطلقا على فهم الاختلاف بين الثورة والثورة المضادة. الشيء الذي يسقط عنهم تماما كونهم قوة تقدمية فبالأحرى ثورية. لكن فلندع الموتى يدفنون موتاهم.

  إن قوى الثورة المضادة والإمبرياليين يفهمون الوضع بشكل أوضح من هؤلاء المهرجين العصبويين والأغبياء. لقد نهضت الجماهير إلى الحياة السياسية بفضل تشافيز وهي موالية له بشكل مطلق. لقد حاولت البورجوازية كل ما في وسعها من أجل إسقاط تشافيز لكنها فشلت في ذلك. إذ تحطمت جميع محاولات الثورة المضادة على صخرة الحركة الجماهيرية.

  لذا قرروا أن يسلحوا أنفسهم بالصبر ويلعبوا لعبة الانتظار. لقد انتخب تشافيز لولاية من ستة سنوات ومن ثم فإنه لا يزال أمامه خمسة سنوات في الحكم. الخطوة الأولى التي قامت بها البورجوازية هي ضمان عدم قدرته على الترشح لولاية أخرى بعد الآن. من هنا تنبع أهمية هذا الاستفتاء من وجهة نظرهم. لقد فكروا أنهم إذا استطاعوا التخلص من تشافيز بطريقة أو بأخرى فإن الحركة ستنفرط وتتفكك، مما سيمكنهم من استعادة السلطة بين أيديهم مجددا.

  المعارضة حذرة لأنها واعية بضعفها. إنها تعلم بأنها ليست قوية بما فيه الكفاية من أجل الانتقال إلى الهجوم. لكنها تحاول، على قاعدة "الوفاق الوطني"، أن تدفع بتشافيز أن يخفف من برنامجه. إذا ما نجحوا في ذلك سيتمكنون من إحباط القواعد المناصرة له، بينما سيشعر الإصلاحيون والبيروقراطيون بالقوة.

  إنه تكتيك ذكي، لكن هنالك مشكلة. لأنهم، بالرغم من نتيجة الاستفتاء، لا يزال عليهم تحمل تشافيز حتى سنة 2012- 2013 وليس أمامهم أية انتخابات هامة في الأفق. في بلد مثل فنزويلا من الممكن أن تحدث الكثير من الأشياء خلال خمسة سنوات. هذا هو السبب الذي يجعلهم يريدون عقد جمعية تأسيسية. لأنهم إذا ما تمكنوا من كسب استفتاء آخر سيعملون على تغيير الدستور من أجل السماح بتنظيم انتخابات مبكرة يأملون بكسبها، ربما بترشيحهم لبادويل كمنتخب عنهم.

  لماذا هم مقتنعون بالفوز إلى هذا الحد؟ لأن الثورة لم تنجز حتى النهاية، لأن المفاتيح الرئيسية للاقتصاد تركت بين أيدي ألذ أعداء الثورة وأيضا لأن هناك حدود لتحمل الجماهير قبل أن تسقط في جو من الخمول واليأس.

  من الضروري اتخاذ إجراءات حاسمة! لقد كتبت قبل سنوات، خلال شهر ماي 2004، مقالا تحت عنوان: موضوعات حول الثورة والثورة المضادة في فنزويلا، قلت فيه ما يلي:

  « من الخطأ الاعتماد فقط على استعداد الجماهير لتقديم التضحيات. إن الجماهير قادرة على التضحية "باليوم" من أجل "الغد" في حدود معينة فقط. يجب أن نضع هذا في اعتبارنا دائما. في النهاية يبقى العامل الاقتصادي هو المحدد.»

  لا تزال هذه الملاحظات تتمتع بكامل قوتها حتى يومنا هذا. وفي مقاله المؤرخ بيوم الثلاثاء، 27 نوفمبر 2007، اقتطف إيريك ديميستر، بعض الأرقام، من تقرير صدر مؤخرا في Datanalisisا [مصلحة الإحصاء الفنزويلية] والذي أوضح حقيقة يعرفها العديد من الناس: بدأ نقص المواد الغذائية الأساسية يصل مستوى غير محتمل. وقد ذكرت هذه الدراسة أن مواد الحليب ولحم البقر والسكر صار من الصعب جدا إيجادها في السوق. كما أن منتجات أخرى من قبيل الدجاج وزيت الطبخ والجبن والسردين والفاصوليا السوداء قد صارت هي أيضا جد مفتقدة. لقد استجوب المحللون الذين صاغوا هذا التقرير 800 شخصا في 60 دكانا وسوقا ممتازة وسوقا، لا سواء تلك المنتمية إلى القطاع الخاص أو المنتمية إلى شبكة التوزيع التابعة للقطاع العام: ميركال. 73% من الأماكن التي زاروها لم تكن تتوفر على بودرة الحليب. 51,7% منها لم تعد تتوفر على السكر المطحون، و40% لم تعد تتوفر على زيت الطبخ و26% لم تعد تتوفر على الفاصوليا السوداء، الذي يعتبر طبقا أساسيا في فنزويلا.

  أعلن ثلثا المستجوبين أنهم مروا من تجربة نقص الغذاء، إلى هذه الدرجة أو تلك، في الأسواق التي يتسوقون منها عادة. والوقوف في طوابير لعدة ساعات، قد تصل أحيانا إلى أربعة، من أجل شراء كمية من الحليب، لم يعد أمرا استثنائيا. يذكرنا هذا الوضع بما حدث في التشيلي عندما تم استخدام التخريب الاقتصادي من أجل إسقاط حكومة الجبهة الشعبية اليسارية خلال بداية السبعينات.

  ليست الاشتراكية والثورة بالنسبة للجماهير مسائل مجردة بل هي قضايا ملموسة جدا. لقد بقي عمال وفلاحو فنزويلا مخلصين للثورة بشكل رائع. لقد أبانوا عن مستوى عال من النضج الثوري والتصميم على النضال وتقديم التضحيات. لكن إذا ما استمرت الأوضاع في السير بشكل رتيب مدة طويلة جدا بدون تحقيق قطيعة حاسمة، ستبدأ الجماهير في التعب. وسيبدأ جو من الخمول والتشاؤم يسود بين صفوفها بدءا من أكثر الشرائح تخلفا وأقلها وعيا.

  إذا لم تظهر للعيان نهاية واضحة، سينتهون بأن يقولوا: لقد سبق لنا أن سمعنا كل هذه الخطابات من قبل، لكن لم يحدث أي تغيير جوهري. ما هو الهدف من وراء التظاهر؟ ما هو الهدف من وراء التصويت، ما دمنا نعيش نفس الظروف التي كنا نعيشها في الماضي؟ هذا هو الخطر الأكبر الذي يهدد الثورة. وعندما سيرى الرجعيون أن المد الثوري قد بدأ يتراجع سوف ينتقلون إلى الهجوم المضاد. سوف تجد العناصر الطليعية بين صفوف العمال نفسها معزولة. ستتوقف الجماهير عن الاستجابة لدعواتها. وعندما ستحين الفرصة ستعمل الثورة المضادة على توجيه الضربة القاصمة.

  إن هؤلاء الذين يزعمون أن الثورة قد سارت أبعد وأسرع مما يجب، وبأنه من الضروري الدعوة إلى وقف مسلسل المصادرات والتوصل إلى توافق مع بادويل من أجل إنقاذ الثورة، مخطئون تماما. إن السبب الذي دفع بقسم من الجماهير إلى أن يصير خاملا ليس راجعا إلى أن الثورة قد سارت أبعد وأسرع مما يجب، بل هو كونها تسير بشكل أبطأ مما يجب وكونها لم تسر إلى حيث يجب أن تسير.

  النقص المتزايد في المواد الغذائية الرئيسية والتضخم يصيب بشكل رئيسي الأحياء العمالية، التي هي قاعدة الحركة التشافيزية. هذا هو ما يلغم أسس الثورة، وليس كونها "تسير أبعد مما يجب". لا يمكنك أن تقوم بنصف ثورة. إذا ما نحن قبلنا بنصيحة الإصلاحيين في مدرسة هينز ديتريخ، فإننا سنعمل بالتأكيد على تدمير الثورة. سنكون مثل ذلك الذي يجلس على غصن شجرة ويعمل على قطعه بالمنشار.

  الانتخابات والصراع الطبقي

  لا يرفض الماركسيون المشاركة في الانتخابات. إن رفض المشاركة في الانتخابات هو موقف فوضوي وليس ماركسيا. يتوجب على الطبقة العاملة عموما أن تستخدم جميع أشكال الانفتاح الديمقراطي المتوفرة من أجل تجميع قواها، من أجل احتلال المواقع الواحد بعد الآخر من يد العدو الطبقي والتحضير للاستيلاء على السلطة.

  لقد لعب النضال على الصعيد الانتخابي دورا هاما في فنزويلا في عملية توحيد وتنظيم وتعبئة الجماهير. لكن لهذا النضال حدوده. لا يمكن اختزال الصراع الطبقي في الإحصاءات المجردة أو الحسابات الانتخابية. كما أن مصير الثورة لا تحدده القوانين أو الدساتير. لا تنتصر الثورات أو تنهزم داخل مكاتب المحامين أو من خلال النقاشات البرلمانية، بل في الشوارع والمصانع والبوادي والمناطق الفقيرة والمدارس وثكنات الجيش. إن تجاهل هذه الحقيقة يعني هزيمتنا.

  يعتقد الإصلاحيون أنه يجب على الطبقة العاملة أن تحترم دائما التفاصيل القانونية. لكن سبق لسيسرو منذ زمن بعيد أن قال: Salus populi suprema est lex (مصلحة الشعب هي القانون الأسمى). ويمكننا نحن أن نضيف أن: مصلحة الثورة هي القانون الأسمى. لم يبدي المعادون للثورة مطلقا أي احترام للقانون أو الدستور سنة 2002 ثم إنهم لو نجحوا لكانوا قد ألغوا فورا دستور 1999. وهاهم الآن يصرخون جميعا دفاعا عن نفس ذلك الدستور.

  لا يزال تشافيز، حتى بعد الهزيمة في الاستفتاء، يتمتع بالسلطات اللازمة من أجل القيام بمصادرة أملاك كبار ملاكي الأرض والأبناك والرأسماليين. إنه يسيطر على الجمعية الوطنية ويتمتع بدعم القطاعات الحاسمة داخل المجتمع الفنزويلي. إن اتخاذ إجراء لمصادرة الأرض والأبناك وكبريات الشركات الخاصة سيؤدي إلى اندلاع جو من التأييد الحماسي بين صفوف الجماهير.

  يعتبر معدل الامتناع عن التصويت، الذي مكن المعارضة من تحقيق انتصارها الهزيل، بمثابة تحذير. إن الجماهير تطالب باتخاذ إجراءات حاسمة وليس ترديد الكلمات! يمكن أن يكون لهذه الهزيمة أثر عكسي. يمكنها أن ترفع الجماهير إلى مستويات جديدة من النضال الثوري. قال ماركس أن الثورة في حاجة إلى سوط الثورة المضادة. وقد سبق لنا أن شهدنا مثل هذا أكثر من مرة خلال التسعة سنوات الأخيرة في فنزويلا.

  لا يمكنك أن تصنع عجة بدون كسر البيض ولا يمكنك أن تكسب صراعا ويديك مغلولة وراء ظهرك. الثورة ليست لعبة شطرنج بقوانين واضحة. إنها صراع بين مصالح طبقية متناقضة وعصية على التوفيق. من الضروري اتخاذ إجراءات حاسمة من أجل الدفاع عن الثورة ونزع سلاح الثورة المضادة.

  سيلعب انتصار "لا" خلال الاستفتاء دور صدمة مفيدة. قواعد الحركة التشافيزية غاضبون ويشيرون بأصابع الاتهام إلى البيروقراطية، التي يتهمونها عن حق بالمسئولية عن هذه الهزيمة. إنهم يطالبون باتخاذ إجراءات من أجل تطهير الحركة من اليمين. هذا ضروري بشكل مطلق! يجب أن يكون شعارنا هو:

  لا تراجع! لا اتفاقات مع المعارضة!

   إنجاز الثورة حتى النهاية!

   طرد البيروقراطيين والوصوليين!

   مصادرة أملاك الأوليغارشية!

   تسليح الشعب العامل من أجل القتال ضد الردة الرجعية!

   عاشت الاشتراكية!

الاثنين: 03 دجنبر 2007