حوار صحفي مع آلان وودز في Temas

جاء مناضل التيار الماركسي الأممي إلى بلدنا من أجل تقديم كتابه Reason in Revolt، بمعرض كاراكاس الدولي للكتاب (FILVEN)، الذي نظم بـ Parque del Este، كاراكاس، من الثامن إلى الثامن عشر من نوفمبر.
نستجوب مؤسس حملة ارفعوا أيديكم عن فنزويلا، من الشرفة المشمسة للفندق الذي يقيم فيه، من أجل استطلاع رأيه حول الثورة البوليفارية.

   الفيلسوف يتحدى هاينز ديتريخ إلى مناظرة جماهيرية حول الثورة البوليفارية

   آلان وودز: « من الضروري التوجه بحزم نحو الاشتراكية »

   كيف تفسرون الاهتمام الذي أبداه الرئيس تشافيز بكتابكم Reason in Revolt؟

   يستند الكتاب على قاعدة النظرية الفلسفية الماركسية، المادية الجدلية، التي هي وسيلة تمكننا من فهم العالم عموما، ليس فقط العلم والطبيعة بل أيضا، وقبل كل شيء، القوى الداخلية المحركة للثورة. في الواقع، لا يمكن فهم السيرورات الثورية إلا اعتمادا على وجهة النظر المادية الجدلية. أعتقد أن اهتمام الرئيس تشافيز بكتاب Reason in Revolt راجع إلى حد بعيد إلى الفكرة الجدلية: تحول الكم إلى كيف. في الثورات –كما هو الحال في الطبيعة- هناك فترات حرجة يصبح خلالها من الضروري حدوث طفرة نوعية. أعتقد أن الثورة البوليفارية قد وصلت بالضبط إلى مثل هذه النقطة الحاسمة- النقطة التي يجب خلالها على الثورة البوليفارية أن تحول نفسها إلى ثورة اشتراكية.

   بعض المجموعات التروتسكية تقول أن الثورة البوليفارية ليست سوى شكل من أشكال البونابارتية، ولا يعتقدون أن هناك أية إمكانية لفنزويلا للسير في اتجاه اشتراكي، عكس ما تقولونه أنتم.

   تلحق تلك المجموعات المسماة تروتسكية جسيم الضرر بأفكار تروتسكي العظيمة. في الحقيقة، أفضل وصف لما يجري اليوم في فنزويلا يوجد في أحد أعظم كتب القرن العشرين، أقصد كتاب تروتسكي الرائع تاريخ الثورة الروسية. في الفصل الأول منه يطرح تروتسكي سؤال: ما هي الثورة؟ ويجيب أن الثورة، في جوهرها، هي وضع تبدأ فيه الجماهير، أي ملايين الرجال والنساء العاديين الذين ليسو مناضلين سياسيين ولا منظرين، في المشاركة بنشاط في الحياة السياسية وتأخذ مصيرها بين أيديها. هذا تعريف رائع وعميق! في فنزويلا اليوم هناك ثورة وهي مصدر إلهام للعالم بأسره.

   إلى أين تسير هذه الثورة؟

   لقد بدأتم الثورة، لكن هل لدينا أي سبب لدعم الرأي القائل بأنها قد وصلت إلى النهاية؟ أنا لا أعتقد ذلك. ما الذي سيحدث بعد الثالث من دجنبر؟ ليس لدي أي شك في أن تشافيز سيفوز. لقد قدم خدمة عظيمة للحركة العمالية العالمية بطرحه لمسألة الاشتراكية. لقد قال أن الرأسمالية هي العبودية. ومن ثم إذا كنا نناضل حقا من أجل التحرر في فنزويلا وفي كل أمريكا اللاتينية، من الضروري أن نقطع بشكل جذري مع الرأسمالية ونقضي على القوة الاقتصادية للأوليغارشية، التي، لا تزال بعد ثماني سنوات من بداية الثورة، تشكل مصدر خطر على شعب هذا البلد.

   هل سيكون هذا التغيير الذي تتوقع حدوثه بعد الانتخابات، شبيها بالنماذج التقليدية للاشتراكية؟

   أنا لا أتحدث عن نماذج بل عن وقائع. من الواضح جدا أنه لا يمكن للمرء أن يتحدث عن اشتراكية بالمعنى الحقيقي للمصطلح في بلد 75% من أراضيه موجودة في ملكية كبار ملاكي الأرض. في الواقع، إن تصفية الملكيات العقارية الكبرى (اللاتيفونديات) ليست حتى من مهام الثورة الاشتراكية. كان من المفترض أن تكون قد أنجزت من طرف الثورة البورجوازية الديموقراطية، كما كان الشأن في فرنسا خلال القرن 18. من الجلي أنه بدون مصادرة الأرض، ستبقى الثورة البوليفارية مجرد كلمة لا معنى لها. إلا أنه لا يزال هناك بعض الذين يؤكدون على الطبيعة المقدسة للملكية الخاصة. حسنا، أنا أيضا أتفق على أنه يجب علينا احترام الملكية الخاصة لـ 98% من الساكنة. نحن لا ندعو إلى مصادرة سيارة جارنا أو ثلاجته، أو حانة الحي. لكن عندما يتعلق الأمر بملكية كبار ملاكي الأرض والأبناك فإن الثورة لا تمتلك فقط الحق في وضع يدها عليها، بل عليها واجب القيام بذلك.

   إذن، الثورة البورجوازية هاجمت الملكية الخاصة؟

   دعنا نلقي نظرة على التاريخ. دعنا لا نتحدث عن الثورة الروسية أو عن لينين وتروتسكي. فلنتحدث عن جورج واشنطن والثورة الأمريكية. لقد صادر واشنطن جميع ملكيات المعمرين البريطانيين ومسانديهم من الأمريكيين، ولم يدفع أي مليم تعويضا لهم. إننا نتكلم هنا عن ثورة بورجوازية ديموقراطية. بدون مثل هذه الإجراءات الثورية لم يكن لها أبدا أن تنجح في تحقيق أهدافها. بنفس الطريقة، لم يكن ابراهام لينكولن ماركسيا، لكن خلال الحرب الأهلية الأمريكية عمل الشماليون على مصادرة ممتلكات مالكي العبيد الجنوبيين وهم أيضا لم يقدموا أي سنتيم كتعويض.

   ليس من الممكن تحقيق هدف مجتمع حر وعادل ما دامت الأوليغارشية تسيطر بين يديها على الأرض والأبناك وجزء كبير من الصناعة. أي شخص يدعي عكس ذلك يخدع الشعب. وسوف يبقى الباب مفتوحا على مصراعيه لحدوث انقلاب جديد مستقبلا، مما سيكون له نتائج مدمرة على الشعب الفنزويلي.

   كان غرامشي يقول أنه من السهل تغيير الحكومة، لكن من الصعب تغيير الدولة...

   الدولة مسألة أخرى. قال ماركس أنه من المستحيل تغيير المجتمع بالاعتماد على نفس جهاز الدولة القديم. لقد تحققت خلال الثماني سنوات الماضية العديد من المكتسبات الهامة جدا. لكن جهاز الدولة القديم، بكل بيروقراطيته وفساده، لا يزال إلى هذا الحد أو ذاك لم يمس. قال الرئيس أن هذه البيروقراطية تشكل أكبر خطر على الثورة. إن العدو موجود داخل منزلنا بالذات! إنه شبيه بالطابور الخامس للإمبريالية، حتى وإن كان يرتدي قميصا أحمرا.

   هل نحتاج إذن إلى ثورة داخل الثورة؟

   لقد قال تشافيز ذلك، وهو يقوم بكل ما يستطيع لتطوير قضية الاشتراكية. لكن لا يمكن للثورة الاشتراكية أن تعتمد على شخص واحد فقط. يجب أن تكون نتاجا لنشاط الجماهير، من تحت، بسلطة الشعب نفسه. هذه هي الميزة الرئيسية للثورة. من الضروري بشكل مطلق أن تأخذ الجماهير، والطبقة العاملة في المقام الأول، السلطة بين يديها والقضاء على الدولة البيروقراطية.

   لكن يبدو أن قوة الطبقة العاملة قد ضعفت خلال هذه المرحلة التاريخية التي نعيش، ليس فقط في فنزويلا، بل عبر العالم.

   المشكلة الحقيقية ليست موجودة في الطبقة العاملة أو الجماهير. دعنا ننظر إلى فنزويلا: ما الذي تريده أكثر من الطبقة العاملة والجماهير؟ ما الذي يمكن للمرء أن يطلبه منهم أكثر؟ لقد قام العمال والفلاحون بكل شيء ممكن لتغيير المجتمع. لكنهم يفتقدون إلى شيء ضروري، هو الحزب الثوري والقيادة الثورية. هناك مئات الآلاف من الثوريين، لكنهم غير منظمين. أنا لا أتكلم عن بناء حزب آخر بعد. ما ينقص هو تجميع الطليعة الثورية وتنظيمها في جناح ماركسي ثوري داخل الحركة البوليفارية، للنضال ضد البيروقراطية والإصلاحية.

   إذن ما هو السبب في أن هناك أحزابا يسارية بينما لا وجود لحزب ثوري؟

   قال لينين، وأنا أتفق معه، أن الحزب الثوري هو، في المقام الأول، أفكار وبرنامج وطرق نضال وتقاليد، وفقط في المقام الثاني منظمة لحمل هذه الأفكار إلى الممارسة. قبل ثورة 1917، كانت الطبقة العاملة الصناعية الروسية أقل من أربعة ملايين ضمن ساكنة تبلغ 150 مليون نسمة، أغلبهم فلاحون. العديد من هؤلاء العمال كانوا متأخرين ونصف متعلمين، كانوا يخضعون لسيطرة الدين، يشربون الفودكا ويضربون نسائهم. إلا أن لينين وتروتسكي تمكنا من قيادة الثورة مع هؤلاء.

   آنذاك كان المناشفة، الذين كانوا يشكلون الجناح الإصلاحي اليميني داخل الحركة العمالية الروسية، يدعون أن الشروط المادية للاشتراكية منعدمة في روسيا. نفس المبررات تتكرر اليوم في فنزويلا من طرف أمثال هاينز ديتريخ. أنا أتحداه إلى مناظرة جماهيرية حول هذه المسألة. الأمور سهلة جدا بالنسبة له، في المكسيك، لكن إذا ما نجحت الأوليغارشية في الاستيلاء على مقاليد السلطة مرة أخرى في فنزويلا، فسيكون الوضع سيئا جدا. إنهم لن يتصرفوا بنفس الطريقة التي تتصرف بها الثورة البوليفارية اليوم. سوف يسحقون جميع الحقوق ولن يحترموا أي شيء.

   عودة إلى كتابكم Reason in Revolt، قلتم أن الثورة البوليفارية في نقطة حرجة، حيث تتحضر طفرة نوعية. هل يعني هذا أن حدوث التغيير الاشتراكي مسألة حتمية؟

   يمكن للتغيير أن يكون في اتجاه أو في آخر. ما أقوله هو أن الوضع الحالي لا يمكنه أن يستمر إلى الأبد. أنا لا أعرف كم من الوقت ستطول. لكن إن عاجلا أو آجلا سيكون من الضروري أن تحسم بهذه الطريقة أو تلك: يجب على طبقة واحدة أن تنتصر بينما على الأخرى أن تهزم. هذا هو الشيء الذي أعرفه. خلال الثماني سنوات الأخيرة كانت هناك ثلاثة محاولات لهزم الثورة، وقد كادت تنجح في ذلك. في كل مناسبة من هذه المناسبات أنقذت الثورة من طرف الشعب. لكن لا يجب على المرء أن يستنزف ولاء الشعب. فإما أن نقوم بمصادرة الأبناك وملكية كبار ملاكي الأرض والرأسماليين ونصفي الدولة البيروقراطية، أو أن العمال والفلاحين، التشافيزيون المخلصون، سيبدءون في الارتياب. سوف يتساءلون: كيف يعقل أنه، بعد كل هذه السنوات الطويلة والكثير من الخطب، لا يزال السادة القدامى يحكمون؟ هذا يعني أن الأوضاع لم تتغير بشكل عميق.