تشافيز يعلن عن تأميم بنك فنزويلا
- نشر بتاريخ: 10 آب/أغسطس 2008
- الزيارات: 6459
يوم 31 يوليوز، أعلن الرئيس تشافيز، خلال إحدى البرامج التلفزيونية تأميم Banco de Venezuela [بنك فنزويلا]، الذي كان في ملكية الشركة البنكية المتعددة الجنسيات الإسبانية الأصل Grupo Santander [مجموعة سانطاندير]
يوم 31 يوليوز، أعلن الرئيس تشافيز، خلال إحدى البرامج التلفزيونية تأميم Banco de Venezuela [بنك فنزويلا]، الذي كان في ملكية الشركة البنكية المتعددة الجنسيات الإسبانية الأصل Grupo Santander [مجموعة سانطاندير]. وقد صرح قائلا: "سوف نعمل على تأميم بنك فنزويلا. وإنني أبعث بدعوة إلى مجموعة سانطاندير لكي تأتي إلى هنا حتى نبدأ المفاوضات".
وأضاف: "تلقيت قبل بضعة شهور معلومات من مصادر استخبارية أن بنك فنزويلا، الذي كان قد تخوصص قبل سنوات، قد بيع من طرف مالكيه الإسبان؛ وأنه قد تم توقيع اتفاقية بين مجموعة سانطاندير وبين رجل أعمال فنزويلي، وأن رجل الأعمال الفنزويلي بحاجة إلى ترخيص من الحكومة لشراء البنك، ليست هذه عملية صغيرة (...) عندها بعثت برسالة إلى الطرفين الإسباني والفنزويلي لأخبرهما أن الحكومة تريد شراء ذلك البنك، نحن نريد استعادته. آنذاك أجاب المالكون قائلين: "كلا، لا نريد بيعه". لهذا أقول: "كلا، سوف أشتريه، كم يبلغ سعره؟ سوف ندفع ثمنه، وسنعمل على تأميمه". ثم أضاف قائلا: "سوف تبدأ منذ هذه اللحظة الحملة الإعلامية من جانب وسائل الإعلام الإسبانية والدولية. سوف يقولون أن تشافيز أوتوقراطي، وأن تشافيز مستبد، هذا لا يهمني، سوف نعمل على تأميم البنك بالرغم من كل شيء." وقال مستشهدا بالدون كيشوت: "القافلة تسير والكلاب تنبح".
"يوجد هنا شيء غامض، لأن مالكي البنك كانوا في البداية يحاولون بيأس بيعه وهاهم الآن يقولون أنهم لا يريدون بيعه للدولة الفنزويلية. سوف نعمل على تأميمه من أجل وضعه في خدمة الشعب الفنزويلي." وأضاف أن البنك يسيطر على ملايين البوليفارات التي هي "ملك للشعب الفنزويلي وأيضا للحكومة الفنزويلية".
"نحن في حاجة إلى بنك من هذا الحجم. إنه بنك فنزويلا، لكنه يخلق أرباحا هائلة إلا أن هذه الأرباح تصدر إلى الخارج."
وقد أكد تشافيز أيضا أن مدخرات أصحاب الحسابات مضمونة وكذلك مناصب شغل العاملين، الذين ستتحسن شروط عملهم "كما حصل بعد تأميم SIDOR ".
وجه تشافيز كلمة شكر لمدراء البنك لكونهم حولوه إلى مؤسسة ناجحة جدا، لكنه أضاف أن البنك سيتوقف عن أن يكون بنكا رأسماليا ليتحول إلى بنك اشتراكي: "لن تذهب الأرباح إلى جيوب مجموعة خاصة، بل سيتم استثمارها في التنمية الاجتماعية الاشتراكية. الاشتراكية تصير أقوى يوما بعد يوم!"
أرباح هائلة
يعتبر بنك فنزويلا أحد أهم الأبناك في فنزويلا، حيث يمتلك 12% من سوق القروض وحقق خلال النصف الأول من سنة 2008، أرباحا تساوي 170 مليون دولار، بارتفاع يعادل 29% عن ما حققه خلال سنة 2007، عندما كانت أرباحه قد ارتفعت بـ 20%. لديه 285 وكالة وثلاثة ملايين زبون.
تأمم بنك فنزويلا سنة 1994 في أعقاب أزمة بنكية حادة أدت إلى إفلاس 60% من القطاع البنكي، لتتم خصخصته مجددا سنة 1996 حيث اشترته الشركة البنكية المتعددة الجنسيات الإسبانية الأصل مجموعة سانطاندير، مقابل مبلغ 300 مليون دولار فقط. وقد تمكنت مجموعة سانطاندير من استرجاع ذلك المبلغ خلال ثمانية أشهر فقط. تقدر مستودعات البنك الآن بـ 891 مليون دولار. وسنة 2007 وحدها حقق أرباحا وصلت إلى 325,3 مليون دولار، مما يشكل رقما أعلى مما دفعته المجموعة لشرائه.
ليس هذا هو المثال الوحيد عن الاستغلال المخزي الذي يقوم به أصحاب الأبناك الإسبان في فنزويلا. فالبنك الإقليمي [Banco Provincial] بدوره تمتع بكفالة الدولة سنة 1994 وبعدها بيع سنة 1996 للمجموعة الإسبانية المتعددة الجنسيات BBVA. نتيجة لذلك صار القطاع البنكي الفنزويلي خاضعا لسيطرة أربعة مجموعات: شركتان اسبانيتان: BBVA و Santander ومؤسستين بنكيتين فنزويليتين: Mercantil و Banesco. وتعتبر مجموعة سانطاندير الإسبانية الآن أكبر مؤسسة بنكية في أمريكا اللاتينية بـ 4500 فرع وقد سحبت من المنطقة ثلث الأرباح التي حققتها سنة 2007. هذا مثال واحد فقط عن حجم النهب الذي تمارسه الشركات المتعددة الجنسيات لثروات البلد.
إن محاولة الحكومة الفنزويلية لاستعادة السيطرة على ثروات البلد مبررة تماما. وقد قوبلت بعواء الاحتجاجات من جانب الشركات المتعددة الجنسيات. وقد قال آلبيرتو راموس، الاقتصادي لدى غولدمان ساش: "تبدو [خطوة التأميم] كتطور سلبي، لا أرى سببا لجعل القطاع البنكي تحت سيطرة القطاع العام، القطاع الخاص يقوم بعمل أكثر كفاءة بكثير في تسيير هذا النوع من الأعمال."
كذب ونفاق
هذا مثال رائع عن كذب ونفاق المدافعين عن الرأسمال الكبير. كيف يمكن لهؤلاء السادة أن يتحدثوا عن كفاءة الأبناك الخاصة في الوقت الذي يعلم فيه الجميع أن الأبناك الكبرى في الولايات المتحدة وغيرها انخرطت طيلة عقود في حملة مضاربات مكثفة وإجرامية، مما قاد خلال الإثني عشرة شهرا الأخيرة إلى انهيار الأبناك الكبرى الواحد منها تلو الآخر، الشيء الذي يهدد النظام المالي العالمي كله بالانهيار؟
منذ وقت قريب وجد الاحتياطي الفدرالي في نيويورك نفسه مجبرا على تسليم 29 مليار دولار لشركات بير ستيرنز المحدودة [The Bear Stearns Companies Inc]، التي تعتبر بنكا استثماريا كبيرا في الولايات المتحدة، وذلك من أجل تسهيل عملية شرائه من طرف بنك كبير آخر ج ب مورغان شاس وشركائه [JPMorgan Chase & Co]. هذا مثال جيد عن ’كفاءة‘ البنكيين الخواص، الذين حققوا أرباحا ضخمة بفضل المضاربة الإجرامية طيلة سنوات في سوق العقارات الأمريكية، وهاهم الآن يسارعون إلى الدولة ليستجدوا منها ملايير الدولارات من أموال دافعي الضرائب. وبدل أن يزج بهم في السجن بسبب جرائمهم، التي تسببت، خلال شهر ماي وحده، في فقدان 77.000 عائلة أمريكية لمنازلها، تلقى هؤلاء الطفيليون الأثرياء مكافئة سخية من عند أصدقائهم في البيت الأبيض ووول ستريت.
عندما يعلن الرئيس تشافيز عن تأميم بنك ما، يتم اتهامه بارتكاب جريمة ضد الملكية الخاصة. لكن الحكومات البرجوازية في الولايات المتحدة وأوروبا عملت بدورها على تأميم بعض الأبناك. الاحتياطي الأمريكي، الذي سبق له أن ضخ مبالغ هائلة في جيوب أصحاب بير ستيرنز، قام الآن عمليا بتأميم شركتي الرهن العملاقتين فاني ماي [Fannie Mae] وفريدي ماك [Freddie Mac] مما كلف دافعي الضرائب الأمريكيين 25 مليار دولار أخرى. ليس لدى جورج بوش وإدارته ما يكفي من المال من أجل الصحة والمعاشات، لكن لديهم الكثير من المال لوضعه في جيوب أصدقائهم الأثرياء. وعلى حد تعبير الكاتب الأمريكي الشهير، غور فيدال، إنها "اشتراكية للغني وسوق حرة للفقير".
ما الذي تبينه لنا هذه القضية عن ’كفاءة‘ أصحاب الأبناك الخواص في الولايات المتحدة؟ قامت شركتا فاني ماي [Fannie Mae] وفريدي ماك [Freddie Mac]، اللتان تسيطران على الأقل على 50% من كل الرهون في الولايات المتحدة، بإصدار خمسة تريليون دولار من سندات الديون والرهن. ومن هذا المبلغ هناك أكثر من ثلاثة تريليون دولار لدى المؤسسات المالية الأمريكية وأكثر من 1,5 تريليون دولار لدى مؤسسات أجنبية. لقد تسبب انخراطهم في حملة خداع ومضاربات كثيفة بتهديد خطير لاستقرار الاقتصاد العالمي. هذا ما أجبر السلطات الأمريكية على تأميمهما. رغم ذلك لم يحتج أي كان على ذلك.
شهدنا نفس الشيء خلال السنة الماضية في بريطانيا، حيث أممت الحكومة بنك نورثرن روك، الذي يعتبر خامس أكبر بنك في بريطانيا، من أجل الحيلولة دون انهياره. كان هؤلاء البنكيون الخواص جد أكفاء إلى درجة أنهم تسببوا في أول حالة إفلاس يعرفها بنك بريطاني منذ أكثر من 150 سنة، مع صفوف طويلة من أصحاب الحسابات المذعورين الذين انتظروا طوال الليل من أجل سحب أموالهم. تأميم بنك نورثرن روك كلف دافعي الضرائب البريطانيين 20 مليار جنيه استرليني (40 مليار دولار). في نفس الوقت الذي يقول فيه رئيس الوزراء غوردن براون للعمال البريطانيين أنه لا يوجد المال الكافي من أجل الرفع من الأجور وانه يتوجب على الجميع أن يقدم التضحيات، الجميع ما عدا البنكيين الخواص!
الشهية تزداد مع الأكل
سوف يرحب عمال فنزويلا والعالم بأسره بتأميم بنك فنزويلا. سيفهمون أن الدافع وراء الهجمات والافتراءات ضد تشافيز هو النفاق والجشع والكراهية اتجاه الثورة الفنزويلية. لقد كانت المجموعة البنكية الإسبانية، التي نهبت فنزويلا بشكل مخز، مستعدة لبيع بنك فنزويلا لرجل أعمال فنزويلي، أي لشريك في الجريمة، لكنهم لم يسمحوا بأن تأخذه الدولة وتستعمله لخدمة مصالح الشعب الفنزويلي.
من وجهة نظر الماركسيين ليست مسألة التعويضات في حد ذاتها مسألة مبدئية. فقبل وقت طويل دعا ماركس إلى دفع تعويض للرأسماليين البريطانيين كوسيلة لإضعاف مقاومتهم للتأميمات، كما أن تروتسكي وضع احتمالا مشابها في ما يتعلق بالولايات المتحدة. إلا أن فكرة الإصلاحيين القائلة بأنه يجب شراء ملكية الرأسماليين بأسعار السوق خاطئة تماما ومستحيلة عمليا. يجب أن تنبني سياستنا على حصر دفع التعويض على الحالات الضرورية فقط. أي بعبارة أخرى، سوف نعمل على تعويض صغار المساهمين وأصحاب المعاشات المسنين، الخ. لكن لا لإغداق الأموال على الأثرياء الذين حققوا ثروات هائلة من نهب بلدان كفنزويلا. لقد اشترت مجموعة سانطاندير بنك فنزويلا مقابل مبلغ بخس للغاية، 300 مليون دولار، وقد تمكنت من استرداد هذا المبلغ عدة مرات. ليس هناك من مبرر لإعطائهم ولو بوليفار واحد آخر.
على أية حال ليست المسألة الحقيقية هنا هي مبلغ التعويض. إنها واقع أن بنكا كبيرا قد تم انتزاعه من أيدي الخواص. إن ما يخشاه الرأسماليون والإمبرياليون حقا هو أن يصبح ميل الثورة الفنزويلية إلى شن غارات على الملكية الخاصة ميلا لا يقاوم. تعني أزمة الرأسمالية أن عددا متزايدا من الأبناك وغيرها من الشركات الخاصة ستغرق في الأزمات وستغلق أبوابها خلال الأشهر المقبلة، مما سيثير ارتفاعا حادا في البطالة. والاستثمارات الخاصة في فنزويلا قد تراجعت أصلا. الاقتصاد الفنزويلي يواصل سيره فقط بفضل استثمار الدولة والقطاع العام. يشكل هذا الوضع تهديدا خطيرا للثورة ويمكنه أن يؤثر سلبا على نتائج انتخابات نوفمبر المقبل، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار معدل التضخم العالي والمتصاعد.
فكرة الإصلاحيين والستالينيين القائلة بأنه يجب على الثورة أن تشكل "تحالفا استراتيجيا مع البرجوازية الوطنية" غبية وخطيرة. الجميع يعلم أن البرجوازية عدوة الثورة والاشتراكية. ليس من الممكن تشكيل "تحالف استراتيجي" مع ما يسمى بالجناح التقدمي للبرجوازية الوطنية، وهو الجناح الغير موجود أصلا. يريد الإصلاحيون والستالينيون خلق برجوازية وطنية بأموال الدولة. ما هو المنطق وراء هذا المقترح الأحمق، الذي يطرحونه باعتباره عقلانية؟ عوض تبذير الأموال على الرأسماليين الخواص الذين سيسارعون فورا إلى تهريبها خارج البلد إلى حسابات بنكية في ميامي، يتوجب على الدولة أن تأخذ القوى المنتجة بين أيديها وتستخدم ثرواتها من أجل خلق اقتصاد مخطط اشتراكي حقيقي. الشرط المسبق الضروري لتحقيق هذا هو أن تكون القوى المنتجة في يد الدولة وأن تكون الدولة في يد الشعب العامل.
إن الرأسماليين الخواص لن يستثمروا في فنزويلا، بالرغم من جميع محاولات التشجيع. الطريق الوحيد من أجل التقدم هو التأميم. مصادرة مصنع سيدور [SIDOR] في وقت سابق من هذه السنة جاءت نتيجة لتحرك العمال من أسفل. وسوف يؤدي خطر إغلاق المعامل خلال الأشهر القليلة المقبلة، بالتأكيد إلى اندلاع موجة جديدة من احتلال المصانع والمطالبات بالتأميم. تأميم بنك فنزويلا سيعطي دفعة أخرى لمطالب العمال بمصادرة المصانع ووضعها تحت الرقابة العمالية. الشهية تزداد مع الأكل!! هذا هو السبب الذي جعل مالكي بنك سانطاندير يعملون بكل الوسائل من اجل الحيلولة دون انتقال ملكيتهم إلى أيدي الدولة، بالرغم من أن الرئيس اقترح عليهم دفع الثمن.
لقد عمل الرئيس تشافيز، في البرنامج التلفزيوني الذي أعلن فيه عن تأميم البنك، على الاستشهاد بماركس ولينين وأشار إلى أهمية إنقاص أيام أسبوع العمل، كما عمل أيضا على تحليل الأزمة العالمية للرأسمالية. قال أنه لا يمكن للمجتمعات أن تحقق تحررها إلا من خلال الاشتراكية. وهذا صحيح بشكل مطلق. لكن الاشتراكية ليست ممكنة إلا إذا استولت الطبقة العاملة على السلطة بين أيديها، وعملت على مصادرة الأبناك وملكيات الملاكين العقاريين والرأسماليين، وبدأت في تسيير المجتمع على أساس اشتراكي.
لقد بدأت الثورة الفنزويلية في اتخاذ إجراءات ضد الملكية الخاصة. والماركسيون يرحبون بكل خطوة في اتجاه التأميم. في نفس الوقت نحن نشير إلى أن التأميمات الجزئية ليست كافية لحل المشاكل الجوهرية التي يعانيها الاقتصاد الفنزويلي. إن تأميم كل القطاع البنكي والقطاع المالي شرط ضروري لإقامة اقتصاد اشتراكي مخطط، إلى جانب تأميم الأرض وجميع الشركات الكبرى، ووضعها تحت رقابة وتسيير العمال. سوف يمكننا هذا من تعبئة كل القوى المنتجة والثروات التي تتمتع بها فنزويلا من أجل حل المشاكل الملحة التي يواجهها الشعب.
ومن ثم فإننا نرحب بتأميم بنك فنزويلا باعتبارها خطوة إلى الأمام. لكن الهدف الرئيسي لم يتحقق بعد، أي: القضاء كليا على السلطة الاقتصادية للأوليغارشية وإقامة دولة عمالية اشتراكية حقيقية. المعركة لا تزال مستمرة.
برشلونة فاتح غشت 2008